شروح المعلقات/غالي ولد سيد أعمر./باحث في المعهد الموريتاني للبحث العلمي

 قال عمرو ابن شبة في المزهر :

 للشعر والشعراء أول لا يوقف عليه

 قال عمرو بن العلاء : ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا اقله ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعر كثير.

 قال ابن سلام الجمحي وكان الشعر في الجاهلية عند العرب ديوان علمهم ومنتهى حكمهم به يأخذون وإليه يرجعون.

 كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه

صدرنا هذا العمل ببعض آراء من تصدر للكلام حول الشعر الجاهلي رواية ومفاضلة وهم من ترك آثارا من حديث حول الشعر في الجاهلية كما هي الحال مع شراحه ومصنفيه الآخرين في نظام إسناد يرجع الرواية الأولى إلي حماد الراوية ، وهي رواية ترتب عليها كلام كثير لسنا هنا في معرض عرضه مفصلا وستكون لنا العودة إليه في محور التسمية والعدد من هذا العمل .

أقول إذن إن الكلام حول المعلقات يلد بعضه بعضا وذلك حاصل في كم الأعمال الأدبية والنقدية الذي تزخر به رفوف المكتبة العربية والعالمية من الآثار المخطوطة والمنشورة مع اعتبار الضائع من تلك الآثار .

ونتجه في هذا العمل إلى إعادة قراءة شروح المعلقات متوخين في قرائنا ما هم أهل له من الفطنة من حيث فهمهم لدلالة إعادة وقراءة وإن لم يمنع ذلك من الإلماع إلى الاعتبارين :

– نقل الإعادة من معني التكرار السلبي إلى المعنى التراكمي الايجابي المفضي إلى التجاوز وقد توضحت سبله.

– القراءة باعتبارها نقدا لأننا نعتبر كل نقد قراءة وهي هنا تعاد إذا يتنزل كلام شراح المعلقات نقد إبداع إذ هو كلام مورس على نصوص شعرية فهو إذن نقد في مستوى ما من مستوياته – سيتم التوسع في هذا في مكانه من العمل – بينما يتنزل عملنا – قراءتنا – في مستوى آخر هو الكلام على آثار نقدية فهو إذن أدخل في مشمولات نقد النقد – سيتم تحديد ذلك كما الحال مع الأدوات – لذا وجب اعتبار الاعتبارين ولو مؤقتا حتى يبلغ العمل فطامه أو فصاله .

يراد لهذا العمل بعد تقرير دلالة إعادة وقراءة – سريعا – أن ينظر في الخطاب الشارح لدى من تصدى لشرح المعلقات وذلك من خلال مدونتين أوليين :

أ‌- مدونة المعلقات: أسماؤها، عددها، أصحابها، جماعها، رواتها، الأسواق والأندية، التحكيم، المفاضلة،

ب‌- مدونة الشراح : وربما كان لهذه النقطة قدر تعلق بالتي قبلها من حيث التسمية إذ لكل شارح تقريبا تسمية لعمله.

أ‌- مدونة المعلقات 1
– التسمية : أوردنا في تصدير هذا العمل أن للشعر والشعراء أولا لا يوقف عليه لذا لن نبحث فيما لا يوقف عليه يقينا وإن كان الجاحظ قد حدد عمر الشعر الجاهلي بمائتي سنة قبل الميلاد وقد ذكر ابن الكلبي أن أول شعر علق في الجاهلية شعر امرئ القيس، علق على ركن من أركان الكعبة أيام الموسم، ثم أحدر، ثم فعلت الشعراء بعده. وكان ذلك – التعليق – فخر العرب في الجاهلية وعدوا من علق شعره سبعة نفر .

وقال معاوية ابن ابي سفيان قصيدتا عمرو بن كلثوم والحارث ابن حلزة من مفاخر العرب كانتا معلقتين بالكعبة دهرا . ارتبطت تسمية القصائد السبع أو العشر بحادث مكاني هو التعليق على الكعبة فغلبت صفة المعلقات من التعليق ما سواها من الصفات فهي إذن الصفة الغالبة والعلم المنادى على متخيرات شعر العرب في جاهليتها فهي إذن النصوص / القصائد التي غلبت علميتها على تعريفها فأصبح في ضمن تحصيل حاصل وإن كان لحديث التعريف بقية فائدة فإن ذلك سيكون في مسيرتها وهي تعلق مثلا وهي تشرح وهي مشكك في تعليقها ومختلف في عدد أبياتها وفي ترتيبها – الأبيات – وفي عددها أيضا كذلك في حدث الحكومة في الأسواق، أسواق العرب ومواسمها وحدث الرواية أيضا .

وفي الخبرين المذكورين – متقدما – لابن الكلبي ومعاوية ورد خبر التعليق مجملا ومفصلا؛ كان أمرؤ القيس أول من علق شعره على الكعبة … كانت قصيدتا عمرو بن كلثوم والحارث ابن حلزة معلقتين بالكعبة دهرا .

وفي خصائص ابن جني: ” أن النعمان بن المنذر أمر فنسخت له أشعار العرب في الطنوج وهي الكراريس ثم دفنها في قصره الأبيض”.

وبين التعليق على أستار الكعبة والاستنساخ ثم الدفن نكتة مفادها عظيم العناية بما علق وبما دفن مع الاختلاف في الوسائل فقراءة المعلق حدث بصري ربما كان آنيا وإن كان حسب تواتر الرواية يتم بعد كتابة النص على القباطي بماء الذهب والقباطي لفائف مصنعة من القطن في تخلق ورق الكتابة أو الرقوق وربما سببت لحظيته في تشكيك من شكك في الحدث أصلا أما الاستنساخ في الكراريس فهو أدوم لحفظ المادة دل عليه احتفار أبي عبيدة قصر النعمان وإخراجه تلك الأشعار .

قال ابن عبد ربه في العقد الفريد : وقد بلغ من كلف العرب به (الشعر) وتفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد تخيرتها من الشعر القديم فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة وعلقتها بين أستار الكعبة فمنه يقال : مذهبة امرئ القيس ومذهبة زهير والمذهبات سبع وقد يقال المعلقات.

وقال ابن خلدون : وكانوا ( العرب) يقفون في سوق عكاظ لإنشاد الشعر وعرض كل واحد منهم ديباجته على فحول الشأن وأهل البصر حتى إذا انتهوا إلى المناغاة في تعليق أشعارهم في أركان البيت الحرام موضع حجهم وبيت إبراهيم كما فعل امرؤ القيس ابن حجر والنابغة الذبياني وزهير بن أبي سلما وعنترة بن شداد وطرفة بن العبد وعلقمة ابن عبدة والأعشى وغيرهم من أصحاب المعلقات السبع .

وقال البغدادي في خزانة الأدب في معنى المعلقة : إن العرب كانت في الجاهلية يقول الرجل منهم الشعر في أقصى الأرض فلا يعبأ له ولا ينشده أحد حتى يأتي مكة في موسم الحج فيعرضه على أندية قريش فإن استحسنوه روي وكان فخرا لقائله وعلق على ركن الكعبة حتى ينظر إليه كثيرة هي أدلة التعليق مبثوثة في كتب التاريخ الأدبي من الناحية النقلية أما من الناحية الموضوعية فليس هناك مانع عقلي أو فني من أن العرب في الجاهلية قد علقوا أشعارا هي أنفس ما لديهم وأسمى ما وصلت إليه لغتهم كما أن للشاعر المقام السامي عند الجاهلين وهو الناطق الرسمي باسم القبيلة وهو لسان حالها والمقدم فيها وبهم – الشعراء – وبشعرهم تفتخر القبائل

ومن أشهر شراح المعلقات قديما نذكر :

ـ أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري ت 327هـ

ـ أبو جعفر أحمد بن محمد النحاس ت 323هـ

ـ أبو عبد الله الحسين بن أحمد الزوزني ت 486 هـ

ـ أبو زكياء يحيى بن علي التبريزي ت 502 هـ

ـ الأعلم الشنتمري

وقد أطلقت على المعلقات صفات هي ألقاب لها دون شيوع التسمية بالمعلقات منها ما هو مرتبط بوصفها بأبرز صفاتها وهو الطول فقيل :

– السبع الطوال : وصف لها بأظهر صفاتها وهو الطول

– السموط : وهو تشبيه لها بالقلائد والعقود التي تعلقها المرأة على جيدها للزينة

– المذهبات : لكتابتها بالذهب أو بمائه ، حيث ذكر القدماء ” أن العرب عمدت إلى سبع قصائد تخيرتها من الشعر القديم فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة وعلقتها على أستار الكعبة فمنه يقال مذهبة امرئ القيس ومذهبة زهير …

وللمعلقات ألقاب أخرى منها ما هو مرتبط بالعدد وحده وما هو مرتبط بالعدد والصفة مثل :  القصائد السبع المشهورات عند النحاس بعد عزو ذلك لحماد الراوية ، إذ يقول إن حماد لما رأى زهد الناس في حفظ الشعر جمع هذه السبعة وحضهم عليها وقال لهم هذه المشهورات فسميت القصائد السبع المشهورات .

 السبع الطوال الجاهليات : وهو الاسم الذي أطلقه ابن الانباري (محمد بن القاسم) على شرحه لتلك القصائد

 المعلقات السبع وهو عنوان شرح الزوزني (الحسين بن أحمد ) للمعلقات السبع

 القصائد العشر هو عنوان شرح التبريزي ( يحي بن علي)

 شرح المعلقات العشر وأخبار أصحابها وهو العنوان الذي اختاره محمد بن الأمين الشنقيطي لشرحه .

 المعلقات وقد وردت تسمية تلك القصائد بالمعلقات – ربما- لأول مرة لجمهرة اشعار العرب لأبي زيد القرشي حيث جعل في الطبقة الأولى في القسم الأول من مصنفه أصحاب المعلقات : امرؤ القيس، زهير، النابغة، الأعشى، لبيد، عمرو بن كلثوم، طرفه.

2- العدد : بلغ رواة الشعر الجاهلي والمشتغلون عليه، بلغوا بالمعلقات عدد العشرة، فما جاء في عددهم عدد أقل من سبع قصائد وما زادوا في عددهم على العشر قصائد وذلك في ما وصلنا واطلعنا عليه مجموعا ومفصلا في تصانيف القوم أما السبع فهي :

 معلقة أمرئ القيس التي منها الأبيات : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل *** بسقط اللوى بين الدخول فحومل فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها *** لما نسجتها من جنوب و شمأل ترى بعر الأرآم في عرصاتها *** وقيعانها كأنه حــــــب فلفل

 معلقة طرفة بن العبد التي منها الأبيات : لخولة أطــــــــــلال ببرقة ثهمد **** تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليـد وقوفا بها صحبي علي مطيهم **** يقولون لا تـــــــــــهلك أسى وتجـلد كأن حــــــــــدوج المالكية غدوة خــــــــلايا سفين بالنواصب مندد

 معلقة الحارث بن حلزة التي منها الأبيات : آذنتنا ببينها أسمــــــــــاء رب ثاو يمل منه الثواء بعد عهد لنا ببرقة شماء فأدنى ديارنـا الخلصاء فالمحياة فالصفاج فأعناق فتـاق فعـاذب فالوفـاء

 معلقة زهير ابن أبي سلمى التي منها الأبيات : أمن أم أوفي دمنة لم تكلم بحـومـانة الـدراج فالـمتثلم ودار لها بالرقمتين كأنها مراجيع وشم في نواشر معصم بها العين والآرام يمشين خلفة وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم

 معلقة عمرو بن كلثوم التي منها الأبيات ألا هبي بصحنك فاصبحينا ولا تبقي خمور الأندرينا مشعشعة كأن الحص فيها إذا ما الماء خالطها سخينا صبنت الكاس عنا أم عمرو فكان الكاس مجرها اليمينا

 معلقة عنترة بن شداد التي منها الأبيات هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد التوهم يا دار عبلة بالجواء تكلمي وعمي صباحا دار عبلة واسلمي فوقفت فيها ناقتي وكأنها فدن لأقضي حـــــــــــــاجة المتلوم

 معلقة لبيد التي منها الابيات عفت الديار محلها فمقامها بمنى تأبد غولها فرجامهـــــــا فمدافع الريان عوري رسمها خلقا كما ضمن الوحي سلامها دمن تجرم بعد عهد أنيسها حجج خلون حلالها وحرامها

وباعتبارها – المعلقات – عشرا تضاف معلقات كل من:

 معلقة الأعشى التي منها الأبيات

ودع هريرة إن الركب مرتحل وهل تطيق وداعا أيها الرجل

غراء فرعاء مصقول عوارضها تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل

كان مشيتها من بيت جارتها مر السحابة لا ريث ولا عجل

 عبيد ابن الأبرص التي منها الأبيات

أقفر من أهله ملحوب فالقطبيات فالذنوب

وبدلت منهم وحوشا وغيرت حالها الخطوب

أرض توارثها الجدود فكل من حلها محروب

 النابغة الذبياني التي منها الأبيات

يا دار مية بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأمد

وفقت عليها أصيلالا أسائلها عيت جوابا وما بالربع من أحد

إلا الأواري لأيا ما أبينها والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد

3- أصحابها: أما عدد أصحابها فهو مساو لعددها سبعة لسبع وعشرة لعشر.

4- جماعها : يعنى الجمع هنا الرواية وقد حددت مع حماد الراوية وقد تقدم الكلام على ذلك حين ” رأى زهد الناس في حفظ الشعر .. قال لهم هذه السبع المشهورات ” ( أنظره في المتقدم من حديثنا عن التسمية ) و انظر كذلك صاحب الجمهرة وابن سلام والمفضل وغيرهم ممن جمع المعلقات كليا أو جزئيا وهي مفرقة في دواوين أصحابها بمعنى أن كل معلقة توجد في ديوان صاحبها كما نعتبر عمل الشراح جمعا.

5- المفاضلة : دار كلام كثير حول أشعر الشعراء في الجاهلية وذهب القوم ممن تصدى لذلك مذاهب شتى وفق زوايا النظر ومعايير التفضيل واتفقوا فيما اتفقوا فيه على تقديم شعراء المعلقات مع المفاضلة بينهم : ذكروا أن أشعر هؤلاء ثلاثة امرؤ القيس وزهير والنابغة ( قال أبو عبيدة أشعر الناس أهل الوبر خاصة وهم أمرؤ القيس وزهير بن أبي سلمى والنابغة الذبياني، وفي الطبقة الثانية الأعشى ولبيد وطرفة، واختلفوا في من هو أشعر الجميع، قال الفرزدق امرؤ القيس أشعر الناس، وقال ابن مقبل طرفة أشعر الناس، وقال ابن احمر زهير أشعر الناس، وقال الكميت عمرو بن كلثوم أشعر الناس، وقال ذو الرمة لبيد أشعر الناس، وقال الأخطل الأعشى أشعر الناس والراجح ما قال أبو عبيدة : أمرؤ القيس ثم زهير والنابغة و الأعشى ولبيد وعمرو بن كلثوم وطرفة. وقالوا أشعر الناس أربعة : زهير إذا طرب والنابغة إذا رهب و الأعشى إذا غضب وعنترة إذا كلب أي غضب وقالوا إن امرأ القيس صاحب النصيب الأوفى في الشعر، وإن الشعر في تعبيرهم كان جملا فنحر فأخذ امرؤ القيس رأسه، وأن زهيرا يمتاز بأنه لا يعاظل بين كلامين ولا يتبع حوشي الكلام ولا يمدح أحدا بغير ما فيه وإن النابغة أوضح الشعراء معنا وأبعدهم غاية وأكثرهم فائدة وإن الأعشي أمدحهم للملوك وأوصفهم للخمر، وأقدرهم شعرا وأحسنهم قريضا وإن لبيدا أقلهم لغوا، وإن عمرو بن كلثوم أغزهم نفسا وأكثرهم امتناعا وأجودهم واحدة، وأن طرفة أشعرهم إذا بلغ – على حداثة سنه ما بلغه القوم في طول أعمارهم قال بن عبد ربه اختلف الناس في اشعر الشعراء قال النبي صلي الله عليه وسلم وقد ذكر عنده امرؤ القيس هو قائدهم وحامل لواءهم وقال عمر بن الخطاب للوفد الذين قدموا عليه من غطفان من الذي يقول:

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مطلب

قالوا هو نابغة بني ذبيان قال لهم فمن الذي يقول :

أتيتك عاريا خلقا ثيابي على وجل تظن بي الظنون فألفيت الأمانة لم تخنها كذلك كان نوح لا يخون

قالوا هو النابغة قال هو أشعر شعرائكم

وقال عمرو ابن العلاء : طرفة أشعرهم واحدة يعني قصيدته :

لخولة أطلال ببرقة ثهمد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

6- أسواق العرب ومواسمها قبل الإسلام

كان لثنائية العلاقة بين الاسواق والتجارة دور كبير في الحياة الدينية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية للعرب في جاهليتها فهي – الاسواق – مواقع تلقى البضاعة بالمعنى الثقافي والتجاري ففيها مثلا – وهو الذي يعنينا هنا- تستجاد القصائد وتعلق على استار الكعبة ردحا من الزمن وفيها كذلك كانت تتم الحكومة بين الشعراء. السوق لغة : من سوق الناس إليها بضائعهم .

جاء في مقاييس اللغة : السوق هو حدو الشيء ، يقال : ساقه يسوقه سوقا والسَّيَقة ما استيق من الدواب ويقال سقت إلى امرأتي صداقها والسوق مشتقة من هذا لما يساق إليها من كل شيء والجمع أسواق والساق للإنسان وغيره. وفي جمهرة اللغة : السوق مصدر سقت البعير وغيره أسوقه سوقا والسَّوَقُ : غلظ الساقين رجل أسوق وامرأة سوقاء وأهم وأشهر أسواق العرب ثلاثة (عكاظ – مجنة- وذو المجاز).

1- عكاظ

أما عكاظ فقد عد أشهر أسواق ثلاثة كانت للعرب قال البكري : اتخذ سوقا أي عكاظ بعد الفيل بخمسة عشر سنة وسبب تسميته بذلك لأن الناس يعكظ فيه بعضهم بعضا بالمفاخرة أي يغلبه . وهي اسم سُوق من أَسْواق العرب ومَوْسمٌ من مَواسم الـجاهلـية، وكانت قبائل العرب تـجتمع بها كل سنة، ويتفاخرون بها ويَحْضُرها الشعراء فـيتناشدون ما أَحدثوا من الشِّعر، ثم يَتفرّقون.

– مكانها:

قال الأزرقي : وعكاظ وراء قرن المنازل بمرحلة على طريق صنعاء. وقال ياقوت : قال الأصمعي: عكاظ: نخل في واد بينه وبين الطائف ليلة وبينه وبين مكة ثلاث ليال، وبه كانت تقام سوق العرب بموضع منه يقال له الأثيداء وبه كانت أيام الفجار، وقد حسم خلاف تحديد مكانه بأن حدد على طريق الطائف باتجاه الرياض مسافة 45 كلم تقريبا.

– زمانها ومدتها:

يجمع من كتب حول سوق عكاظ أو يكادون على أنه يبدأ بأول شهر ذي القعدة إلى العشرين منه، ذكر ابن عساكر عن حكيم بن حزام قوله: كنت أحضر الأسواق وكانت لنا ثلاثة أسواق: منها سوق بعكاظ يقوم صبح هلال ذي القعدة فيقوم عشرين يوما

– مظاهرها:

من المظاهر التي كانت تسود بسوق عكاظ: المفاخرة و المنافرة بين الناس. وربما قامت حروب بسبب منافرات قيلت في السوق كحرب الفجار. ومن الممكن أن يرى زائر السوق بعض الآباء يعرض بناته للتزويج. وقد يحضر السوق بعض الخطباء المصاعق.

– نهاية سوق عكاظ:

قال الخليل بن أحمد : عكاظ اسم سوق كان للعرب يجتمعون فيه كل سنة يتناشدون ويتفاخرون فهدمه الإسلام، وقال الجاحظ: وكان بقرب مكة سوق عكاظ وذي المجاز وهما سوقان معروفان ومازالا قائمين حتى جاء الإسلام وقال الجوهري عكاظ اسم سوق للعرب كانوا يجتمعون فيها يتناشدون شعرا ويتفاخرون فلما جاء الإسلام هدم ذلك. وقال ابن منظور: وهي – سوق عكاظ- بقرب مكة كان العرب يجتمعون فيها كل سنة يقيمون شهرا ويتبايعون ويتناشدون فلما جاء الإسلام هدم ذلك” هذا رأي حول ارتباط هدم تلك الأسواق بظهور الإسلام، وهناك رأي ثان يرى أن الأسواق الثلاثة “عكاظ والمجنة والمجاز استمرت حتى خرج الحرورية فخربوها، قال ذلك الكلبي حين قال: وكانت تلك الأسواق بعكاظ والمجنة وذو المجاز قائمة بالإسلام حتى كان حديثا من الدهر فأما عكاظ فإنما تركت عام خرجت الحرورية بمكة مع أبي حمزة المختار بن عوف الأزدي الإباضي في سنة 129هـ وخاف الناس أن ينهبوا وخافوا الفتنة فتركت حتى الآن ثم تركت مجنة والمجاز بعد ذلك واستغنوا بالأسواق بمكة ومنى وعرفة .

2- سوق مجنة

– اسمها

مشتق من الجن أو الجنون أو الجنة التي هي البستان وكانت ذات خضرة ونضرة ومياه وكان العرب تأتي إليها بعد عكاظ ويقضون بها آخر أيام ذي القعدة (قيل عشرة وقيل عشرين) قبل أن يتحولوا إلى ذي المجاز. يقال إن موقعها هو ما يعرف الآن بوادي فاطمة. ومَجَنّةُ : بالفتح، وتشديد النون، اسم المكان من الجنة وهو السّتر والإخفاء و مَجنّةُ وهي اسم سوق للعرب كان في الجاهلية وكان ذو المجاز ومجنّة وعُكاظ أسواقاً في الجاهلية. قال الأصمعي : وكانت مجنة بمرّ الظهران قرب جبل يقال له الأصفر وهو بأسفل مكة على قدر بريد منها، وكانت تقوم عشرة أيام من آخر ذي القعدة والعشرون منه قبلها سوق عُكاظ وبعد مجنة سوق ذي المجاز ثمانية أيام من ذي الحجة ثم يعرّفون في التاسع إلى عرفة وهو يوم التروية

– مكانها

وقيل: مجنة بلد على أميال من مكة وهو لبني الدُّئِل خاصة، وقال الأصمعي: مجنة جبل بني الدُّئِل خاصة بتهامة بجنب طفيل، وإياه أراد بلال فيما كان يتمثّل:

ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة بواد وحولي أذخر وجليلُ وهل أرِدَنْ يوماً مياه مجنّةٍ وهل يَبْدُوَنْ لي شامَةٌ وطفيلُ؟ 3- سوق ذي المجاز

يأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد سوق عكاظ وسمي بذلك لأن العرب كانت تجتاز منه إلى “عرفات” كانت العرب تنتقل إليه بعد رؤية هلال ذي الحجة ويمكثون به إلى اليوم الثامن وتقع على مسافة ثلاثة أميال من عرفة بناحية جبل كبكب.

وسوق ذي المجاز: بفتح الميم والجيم المخففة وبعد الألف زاء وكانت بناحية عرفة إلى جانبها. وعن ابن الكلبي مما ذكره الأزرقي، أنه كان لهذيل على فرسخ من عرفة. وذو المجاز هو موضع عند عرفه كان يُقامُ به سُوقٌ من أسواق العرب في الجاهلية. والمجاز: موضع الجواز، والميم زائدة. قيل سُمّي به لأن إجازة الحاجّ كانت فيه.

7- الحكومة في الأسواق:

كان للعرب في تلك الأسواق حكام يفصلون بين المتنافسين، ومن أشهر الحكام كان : أكْثَمُ بنُ صَيْفِيٍّ، وحاجِبُ بنُ زُرارَةَ، والأَقْرَعُ ابنُ حابِسٍ، ورَبيعةُ بنُ مُخاشِنٍ، وضَمْرَةُ بنُ أبي ضَمْرَةَ لتَميمٍ، وعامِرُ بنُ الظَّرِبِ، وغَيْلانُ بنُ سَلَمَة لِقَيْسٍ، وعبدُ المُطَّلِبِ، وأبو طالِبٍ، والعاصِي بنُ وائِلٍ، والعَلاءُ بنُ حارِثَةَ لقُرَيْشٍ، ورَبيعَةُ بنُ حِذارٍ لأَسَدٍ، ويَعْمُرُ بنُ الشَّدَّاخِ وصَفْوانُ بنُ أُمَيَّةَ، وسَلْمَى ابنُ نَوْفَلٍ لِكِنانَةَ.

وكان النابغة الذبياني أشهر هؤلاء الحكام قَالَ الأَصْمَعِيُّ‏:‏ كَانَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ تُضْرَبُ لَهُ قُبَّةٌ مِنْ أَدْمٍ بِسُوقِ عُكَاظٍ فَتَأْتِيهِ الشُّعَرَاءُ فَتَعْرِضُ عَلَيْهِ أَشْعَارَهَا فَأَوَّلُ مَنْ أَنْشَدَهُ الأَعْشَى، ثُمَّ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ،‏ ثُمَّ أَنْشَدَتْهُ الشُّعَرَاءُ‏، ثُمَّ أَنْشَدَتْهُ الْخَنْسَاءُ أَبْيَاتَهَا الَّتِي تَقُولُ فِيهَا‏:‏

وَإِنَّ صَخْرًا لَتَأْتَمُّ الْهُدَاةُ بِهِ كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارُ

فَقَالَ وَاَللَّهِ لَوْلا أَنَّ أَبَا بَصِيرٍ أَنْشَدَنِي آنِفًا لَقُلْت إنَّك أَشْعَرُ أَهْلِ زَمَانِك مِنْ الْجِنِّ وَالإِنْسِ‏,‏ فَقَامَ حَسَّانُ فَقَالَ لأَنَا وَاَللَّهِ أَشْعَرُ مِنْهَا وَمِنْك وَمِنْ أَبِيك‏,‏ فَقَالَ لَهُ النَّابِغَةُ حَيْثُ تَقُولُ مَاذَا‏؟‏ فَقَالَ حَيْثُ أَقُولُ‏:‏

لَنَا الْجَفَنَاتُ الْغُرُّ يَلْمَعْنَ بِالضُّحَى وَأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةِ دَمًا

وَلَدْنَا بَنِي الْعَنْقَاءِ وَابْنَيْ مُحَرِّقٍ فَأَكْرِمْ بِنَا خَالا وَأَكْرِمْ بِنَا ابْنَ مَا

فَقَالَ لَهُ‏:‏ يَا بُنَيَّ إنَّك قُلْت لَنَا الْجَفَنَاتُ فقللت عَدَدَك‏، وَقُلْت يَلْمَعْنَ بِالضُّحَى وَلَوْ قُلْت فِي الدُّجَى لَكَانَ أَفْخَرَ‏، لأَنَّ الضِّيفَانَ يَكْثُرُونَ بِاللَّيْلِ‏،‏ وَقَلَّلْت عَدَدَ أَسْيَافِك وَقُلْت يَقْطُرْنَ وَلَوْ قُلْت يَجْرِينَ لَكَانَ أَكْثَرَ لِلدَّمِ‏,‏ وَفَخَرْت بِمَنْ وَلَدْته‏،‏ وَلَمْ تَفْخَرْ بِمَنْ وَلَدَك‏).

اقتصرنا في هذا الحديث في هذا الجز من العمل بعد حديث كالتوطئة على مقاربة أولى للمدونة الأولي – المعلقات – ودار الكلام حول التسمية والعدد والشعراء والرواة الجماع والأسواق والمفاضلة بين الشعراء والحكومة في الأسواق وسيكون لهذا تتماته كما سيكون لنا كلام آخر في المدونة الثانية ثم نمضي إلى ما هو مفض لمقاربة أشمل لقياس الجهاز المفاهيمي المستخدم من لدن أولئك الشراح إن شاء الله تعالى.

المراجع المعتمدة

– ابن جني، أبو الفتح عثمان، الخصائص، تحقيق محمد على النجار، دار الهدي بيروت 1372هـ

– ابن خلدون، عبد الرحمن، المقدمة،

– أبو الحسين، أحمد بن فارس بن زكرياء، معجم مقاييس اللغة تحقيق عبد السلام محمد هارون دار الفكر.

– أبو العباس، أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان

– أبو بكر، محمد بن الحسن بن دريد، جمهرة اللغة، تحقيق رمزي منير بعلبكي.

– أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه، العقد الفريد، تحقيق محمد سعيد العريان ج6/ 1940

– الأزرقي، أبو الوليد محمد بن عبد الله، أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار.

– الأصمعي، عبد الملك أبو قريب، الأصمعيات،

– الجمحي، محمد بن سلام، طبقات فحول الشعراء،

– الخليل بن أحمد الفراهيدي، معجم كتاب العين، تحقّيق الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرّائي، السنوات ج1، 1980م، وباقي الأجزاء سنة 1985م، (ثمانية أجزاء) نشر وزارة الثقافة والإعلام بالجمهورية العراقية.

– شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي، معجم البلدان، نشر دار صادر بيروت – د ت / ط2

– شهاب الدين، أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه، العقد الفريد، تحقيق محمد سعيد العريان ج6/ 1940.

– عبيد، أحمد محمد / دراسات في الشعر العربي القديم، دار الانتشار العربي، أبو ظبي، 2001

– القرشي، أبو زيد محمد بن أبي طالب، جمهرة أشعار العرب، تحقيق علي محمد بجاوي، …

– محمد بن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي وطه الزين، القاهرة، مطبعة المنيرية، 1954.

– المفضل، ضبي بن محمد بن يعلى، المفضليلت، تحقيق أحمد محمود أحمد محمد محمود شاكر وعبد السلام هارون،

– مجلة فصول، مجلة النقد الأدبي، تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، العدد 2، سنة 1984

– مجلة المعرفة، وزارة الثقافة، سوريا، ج 1، 1995

– الموقع الالكتروني : المكتبة الشاملة: أسواق العرب في الجاهلية والإسلام.

– الموقع الألكتروني : المكتبة الشاملة، أحمد محمد حمور، أسواق العرب ومواسمها.

– الموقع الالكتروني : الموسوعة العربية العالمية ( المعلقات السبع بين الأسطورة والحقيقة)

– الموقع الألكتروني: www.khayma.com/almoudaress/m…

– الموقع الالكتروني: www. Almoudaress/moualakatt/tarif.htm.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى